عكرمة بن أبي جهل -رضي الله عنه-
ربما لا يعرفه أحد لكن لا أظن أن هناك من لا يعرف أباه الذي اشتُهرَ بعداوته للإسلام والمسلمين وبغضه للنبي ﷺ حتى أطلقت عليه الكنية المشهورة "أبو جهل"
لم يختلف عكرمة عن أبيه كثيرًا فقد كان شديد العداوة للمسلمين وقاتلهم في كثير من المعارك بغضًا لهم وطلبًا للثأر لأبيه الذي قتله المسلمون في غزوة بدر ..
عفا النبي ﷺ في فتح مكة عن كل أهلها إلا عكرمة وثلاثة آخرون قال عنهم النبي ﷺ (اقتلوهم ولو وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة).
هرب عكرمة ولحق باليمن، فركب البحر فأصابتهم عاصفة، فقيل لأهل السفينة: أخلِصوا؛ فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا.
ألقى الله نور الهداية في قلب عكرمة فقال: "لئن أنجاني الله من هذا لأرجعَنَّ إلى محمدٍ ولأضعنَّ يدي في يده". فسكنت الريح.
ويشاء الله أن تُسلِم زوجته أم حكيم، وهي بنت عمِّه الحارث بن هشام، وتستأمن له من رسول الله ﷺ فيؤمِّنه، وتسير إليه الزوجة الحريصة على نجاته من النار وهو باليمن بأمان رسول الله ﷺ
ولما دنا عكرمة من المدينة قال الرسول ﷺ لأصحابه: (سيأتيكم عكرمة بن عمرو مؤمنًا مهاجرًا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذى الحى ولا يبلغ الميت)
وحينما قدم عكرمة ليعلن إسلامه وثب النبي ﷺ إليه دون رداء مستقبلاً له؛ فرحًا بقدومه، وقال له: "مرحبًا بالراكب المهاجر". ولعل الحبيب ﷺ عانقه، فأزال ما على قلبه من ركام الجاهلية. ولا شك أن لهذا الموقف العظيم وغيره من رسول الله ﷺ أعظمَ الأثر في نفس هذا الصحابي الجليل.
ومنذ إسلامه -رضي الله عنه- حاول أن يعوض ما فاته من الخير، فقد أتى النبي َّﷺ وقال: "يا رسول الله، والله لا أترك مقامًا قمتُهُ لأصدَّ به عن سبيل الله إلا قمتُ مثله في سبيله، ولا أترك نفقةً أنفقتها لأصد بها عن سبيل الله إلا أنفقت مثلها في سبيل الله".
أبلى عكرمة بلاءً حسنًا في حروب الردة واستعمله أبو بكر الصديق على جيش إلى أهل الردة في عُمان فانتصر عليهم ثم وجهه إلى اليمن حتى انتهت حروب الردة ..
عاش عكرمة مجاهدًا في سبيل الله بعد أن كان معاديًا له
محبًا للقرآن بعد أن كان مستهزءًا به، كان يضع المصحف على وجهه ويقول: " كلامُ ربي، كلامُ ربي".
حتى كانت الموقعة الفاصلة "موقعة اليرموك" وكان عدد مقاتلي الروم "ربع مليون مقاتل" وعدد جنود المسلمين ”36 ألف مقاتل"
وفي اليوم الرابع للقتال اشتد الكرب على جيش المسلمين فكانت الفرصة سانحة لبطلنا عكرمة ليوفي بوعده للنبي ﷺ فنزل من على جواده وكسر غَمد سيفه وصرخ في الجيش وقال: من يبايعني على الموت ؟
فتقدم من المجاهدين 400 جندي وبايعوه
رآه خالدُ بن الوليد مقبلًا على الشهادة فقال له: "لاتفعل يا بن العم فإن قتلك سيكون على المسلمين شديد”
فقال له: إليك عني يا خالد فلقد كان لك مع رسول الله ﷺ سابقة، وأنا وأبي كنا أشد الناس على رسول الله ﷺ فدعني أُكفر عن ما سلف مني، لقد قاتلت رسول الله ﷺ في مواطن كثيرة فهل أفر من الروم اليوم ؟! والله لا يحدثُ أبدًا.
تقدم عكرمة ورفاقه وقاتلوا قتال الأسود حتى أثاروا الفزع في نفوس الكفار وفتحوا ثغرةً في جيشهم وفكوا الحصار عن جيش المسلمين.
قتل جميعُ رفاقه وأصيب عكرمة بضعًا وسبعين إصابة مابين طعنة برمح وضربةٌ بسيف ورميةٌ بسهم، وأُصيب معه عمُه
الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة ، فقال الحارث :ادفعوه إلى عكرمة.
فلما أخذه عكرمة نظر إليه عياش ، فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش.
فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى استُشهدوا جميعًا وما شرب أحدٌ منهم إيثارًا لأخيه على نفسه.
رضي الله عن سيدنا عِكرمة وعن كل الصحابة وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى ❤
#التاريخ_الاسلامي